أسباب ازدهار السياحة في المغرب
لطالما كان المغرب بوابةً إلى إفريقيا من أوروبا، إذ شهد خلال السنوات القليلة الماضية طفرةً سياحية، ومن المتوقع أن تتزايد أعداد الزائرين الأجانب إلى مملكة شمال إفريقيا حيث تقوم الحكومة بتنفيذ برنامجٍ لتحقيق أهداف السياحة الطموحة كجزءٍ من رؤيتها لعام 2020. تعتبر الصحاري والشواطىء والجبال والتراث الثقافي المتميز في البلاد جذاباً على نحوٍ خاص للسائحين والمغامرين، جالبين معهم إيراداتٍ مرجوة. لكن وفقاً لما ذكره العاملون في مجال السياحة، ينبغي إدارة التدفقات المالية بعناية من أجل تجنب الآثار السلبية للسياحة، والتي أثر بعضها بالفعل على الأحياء المحيطة بالمدن الشعبية مثل مراكش.
لطالما كانت السياحة ركيزة اقتصادية أساسية في المغرب وهي حاسمة لأي استراتيجية مالية، كما يتضح من هدف الحكومة لعام 2020 المتمثل في توليد قطاع السياحة 140 مليار درهم مغربي (14,59 مليار دولار). ففي عام 2018، ارتفعت الإيرادات من السياحة إلى 73,15 مليار درهم من 69,7 مليار درهم في عام 2017، مما يجعلها مصدراً مهماً للعملة الصعبة.
إلا أنه في السنوات الأخيرة، تراجع السفر إلى المنطقة بسبب عدم الاستقرار بشكلٍ عام على الرغم من أن المغرب نفسه كان آمن نسبياً. كما ساهم عدم الاستقرار الاقتصادي في بعض البلدان التي كانت تزود المغرب تقليدياً بالسائحين في هذا الاتجاه المتراجع.
واليوم، عاد هذا النمو ببطء. ووفقاً لمجموعة أكسفورد للأعمال، في عام 2016، شكلت السياحة 8,1% من إجمالي الناتج المحلي و7,1% من العمالة، حيث زاد إجمالي عدد الزوار بنسبة 1,5% مقارنة بالعام السابق. وفي عام 2017، في الربع الأول وحده، كان هناك معدل نمو سنوي بلغ 7,9%. وبحلول نوفمبر 2017، كان التحسن بنسبة 10% مقارنةً بالعام السابق. وفي عام 2018، استمر هذا النمو حيث قيل إن المغرب استقبل 12 مليون سائح، أي بزيادة نسبتها 8,5% عن العام السابق. وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، زار 3,6 مليون شخص المغرب، بزيادة نسبتها 6% مقارنة بنفس الفترة من عام 2018، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو.
تعد أكادير ومراكش أكثر الوجهات الشعبية للإقامة في الفنادق، وفقاً للمرصد المغربي للسياحة، حيث تمثل ما نسبته 59% من ليالي المبيت في الفنادق في الربع الأول من عام 2019، كما ارتفع عدد السياح الوافدين إلى هذه الوجهات بنسبة 4% و8% على التوالي. وشهدت طنجة زيادةً في عدد السياح بنسبة 9%. بينما تقع أكادير وطنجة على الساحل، فإن مراكش هي مدينة داخلية تشتهر بأسواقها الصاخبة والمدينة القديمة المسورة، على الرغم من أنه يمكن الوصول إلى سلاسل جبال الريف أو أطلس عبر المدن الثلاث.
هناك العديد من مشاريع البناء قيد التنفيذ لمحاولة زيادة عدد غرف الفنادق – هدف رؤية 2020 هو زيادة سعة الغرفة إلى 375 ألف أو 200 ألف سرير جديد – ولكن أيضاً لتشجيع الناس على البقاء لفترة أطول من خلال بناء المنتجعات وكذلك الإقامة الفاخرة. فعلى سبيل المثال، مشروع إم أفنيو في مراكش هو مشروع قيمته 100 مليون دولار ويتضمن حوالي 2700 متر مربع من الحدائق والمناظر الطبيعية والمتاجر والمقاهي والمعارض المصاحبة للمساكن الفاخرة من علاماتٍ تجارية مثل فور سيزونز.
من بين العوامل التي تعزز السياحة، وفقاً لمجموعة أكسفورد للأعمال، تنويع أسواق المصادر، مما يعني أن الزوار إلى المغرب يأتون من بلدانٍ مختلفة. يشير أحد التقارير إلى أن معظم هؤلاء السياح الجدد قادمون من الولايات المتحدة – تشير أرقام الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019 إلى أن عدد الزوار الأميركيين ارتفع بنسبة 14%. كما أتاح استضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP22) في عام 2016 فرصةً للحكومة لزيادة فرصها السياحية إلى أقصى حد، وقام المسؤولون بحملةٍ قصيرة تجلت في عدد من الأنشطة الترويجية ورحلات طيران جديدة. فعلى سبيل المثال، قد يمثل المسار الجديد بين الدار البيضاء وكوالالمبور في ماليزيا “إمكاناتٍ هائلة،” كما قال السفير المغربي لدى ماليزيا محمد رضا بن خلدون في يوليو 2019. فقد ارتفع عدد الزوار الماليزيين إلى البلاد من 3000 زائر سنوياً إلى 5000 منذ إلغاء شرط التأشيرة بين البلدين في عام 2017. وقد يؤدي المسار الجديد إلى زيادة هذا الرقم. كما تتطلع الحكومة إلى الأسواق الروسية والصينية للمساعدة في تحقيق أهداف رؤية 2020 الطموحة.
ستؤدي هذه الأهداف إلى مضاعفة حجم الصناعة، والتي تنوي الحكومة تحقيقها من خلال تأسيس المغرب كواحدة من أفضل 20 وجهة سياحية في العالم من خلال برامج في ستة مجالات: التطوير حول الساحل، والسياحة والثقافة والتراث، والترفيه، والرياضة والاستجمام، والسياحة المستدامة والسياحة الداخلية.
هناك العديد من البرامج قيد التنفيذ بالفعل، بما في ذلك استثمار 14 مليون درهم حول كورنيش الداخلة الشمالي في منطقة الصحراء، وهي منطقة يتم أخذها بعين الاعتبار لإنشاء عدد من مشاريع التطوير لاستغلال مواقعها الطبيعية.
وعلاوةً على ذلك، يتم التركيز بشكلٍ خاص على السياحة الداخلية، التي تشهد تراجعاً بسبب خياراتٍ أرخص في الخارج مثل كوستا ديل سول في إسبانيا. إن تشجيع المغاربة على قضاء العطلات في ديارهم من خلال تقديم خيارات أكثر بأسعار معقولة يمكن أن يبشر بخيرٍ كبير لصناعة السياحة. فقد قال كامل سلامي، المدير العام في فندق لو دوج، لـمجموعة أكسفورد للأعمال: “إننا نشهد المزيد والمزيد من السياحة الداخلية مع تنامي الطبقة الوسطى داخل البلاد.”
إن تحقيق أقصى قدرٍ من هذه الفرص لن يجلب الدخل للدولة فحسب، ولكن يعتقد أن الفوائد ستتضاعف عن طريق خلق فرص عمل، على سبيل المثال. بالإضافة إلى ذلك، قال صندوق التراث العالمي لفَنَك إنه إذا ما تمت إدارة القطاع بشكلٍ جيد، يمكن للسياحة أيضاً أن تساهم في حماية المواقع التاريخية وتوفير الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه الشركات المحلية.
وقال صندوق التراث العالمي، وهي منظمة تدعم المجتمعات التي تمتلك برامج لبناء القدرات والمبادرات المحلية التي تقول إنها توازن بين حماية المواقع ومصالح الزوار الحديثة، “يمكن أن تكون السياحة المتزايدة سيفاً ذو حدين للمواقع التاريخية.”
من الأمثلة التي ذكرها صندوق التراث العالمي مخازن الحبوب الجماعية في المغرب، التي لا يزال بعضها قيد الاستخدام والذي وصفها أحد كتّاب السفر بأنها واحدة من الأكثر جاذبية في شمال إفريقيا.
“سواء كانت تستخدم من قبل المجتمعات أم لا، لكنها تتمتع بالقدرة على جذب السياح إلى المناطق النائية خارج الوجهات المعروفة – إلا أنها بحاجة إلى إعادة تأهيل عاجلة،” كما أوضح صندوق التراث العالمي. “إذا سمحنا بانهيارها، فلن تقوم مخازن الحبوب بعد ذلك بجذب المسافرين، مما يؤثر على الإيرادات السياحية التي تشتد الحاجة إليها والتي تعتمد عليها بعض المجتمعات.”
بصرف النظر عن الفوائد السياحية، لا سيما السياحة المستدامة، يشير صندوق التراث العالمي إلى أن السياحة التي تُساء إدارتها يمكن أن تؤدي إلى ضررٍ، سواء كان مادي في المواقع أو الضرر الذي ستتعرض له القيم والتقاليد الثقافية التي يجب على المسافرين تحمل مسؤوليتها وكذلك تقليل أي أثر سلبي. تشمل الطرق التي يمكنهم من خلالها القيام بذلك تخطيط الرحلات خارج موسم الذروة أو التوجه إلى المزيد من الوجهات خارج المسار المألوف.
وبحسب صندوق التراث العالمي، “يشتمل هذا على إثراءٍ إضافي ذلك أن المسافرين لا يقومون بأمرٍ اعتيادي فحسب، بل يكتشفون العالم بطريقة مرتبطة بواقع الأشخاص وثقافتهم.”
كما أثرت البشائر الاقتصادية الواعدة من السياحة على الأمن حيث قامت الشرطة باتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد الإجرام. فعلى سبيل المثال، في ديسمبر 2018، أدى مقتل سائحتين كانتا تتسلقان جبل توبقال إلى إنفاذ القانون لزيادة العمليات في المنطقة التي شهدت أعداداً متزايدة من السياح والمتنزهين الذين يستمتعون بمسارات الجبل. تقوم شرطة السياحة الآن بدورياتٍ في المناطق الشعبية، والتحقق من بطاقات الهوية، والقبض على المغاربة بسبب السكر في الأماكن العامة، والسرقة، والتسول، والعمل دون ترخيص كدليل.
الجانب السلبي الآخر للازدهار السياحي هو الإرتقاء بمستوى الأحياء، التي يغذيها على وجه التحديد ارتفاع أعداد الزوار والاستثمار الأجنبي. كما ذكرت مجموعة أكسفورد للأعمال، فإن الرياض- المنازل التقليدية التي بنيت حول حديقة داخلية- تعدّ من بين الأشكال الأكثر شعبية للسكن السياحي، حيث تمثل 51% من قوائم الإقامة في عام 2015، ولكن أصبح اليوم يتم شراؤها بشكلٍ متزايد من قبل المستثمرين الأوروبيين. يتم الإعلان عن بعض الرياض على موقع Airbnb، على الرغم من أن السلطات المغربية تتخذ إجراءاتٍ صارمة ضد مواقع الإقامة العالمية على الإنترنت مثل موقع المبيت في المنازل وBooking.com عن طريق فرض ضرائب عليها في محاولة لحماية الشركات والأسواق المحلية.
ما دامت الكيانات المغربية المكلفة بالإشراف على التنمية السياحية تمارس مسؤولياتها وتدير المخاطر المحتملة التي يمكن أن يجلبها الزوار الأجانب والاستثمار، يمكن أن تستعد البلاد للتربع على قائمة الأماكن الأكثر بروزاً على خرائط السفر العالمية.