الحُبّ لا الحرب

الحُبّ لا الحرب
الحُبّ لا الحرب

الحُبّ لا الحرب

الكاتبة نور مؤيد عوّاد

بلغتُ الثامنة والعشرين من العُمر ، لا أتقن شيئاً في حياتي سوى الكتابة.

لستُ إلّا هاوية ، تُحاور أوراقاً كانت صمّاء حتى وهبتها الحياة ، أخلق من حروفي مشاهد ، قد يعيشها البعض .

كان تشجيع مَن حولي لي هو الداعم لبدايتي ، كانت أراؤهم تُغرقني بالمدح والإطراء، والآن ؛ السؤال الذي أودّ أن أجد إجابته هنا : هل كان ما يُعجبهم هو ما تكتبه نور القريبة والصديقة والرفيقة ، أم النص بحد ذاته لكاتبةٍ غريبة أيّاً كان اسمها !

فسأنشر لمن لا يعرفني .

أتقبل النقد البنّاء ، الذي قد يجعل مني كاتبة يوماً ما ..

نص بعنوان: الحُبّ لا الحرب

حين أعبر الطرقات ، أجد على وجوه المارّة آثار الحروب !

الحروب التي و إنْ انتهت ، لا يخرج منها أحد سليم كما دخلها .

فأمامي مباشرة يقف شابّ يحمل دفتراً ضخماً يضعه على رأسه ليحجب الشمس الحارقة ، ينظر إلى ساعته ثم إلى الشارع منتظراً حافلة ؛ رنّ هاتفه وقال : ” لحد الآن ما اجا الباص … شو اعمل ما معي أجي بتاكسي ! .. يزلمة إحكي للمعلم هيو بالطريق .. لا شو يخصملي اليوم هاي ترويحتي من الجامعة ..! طيب هيني إحكيلو بالطريق ..”

كان جامعيّاً ؛ يُصارع بين جامعته و عمله ! لا أظنّه وهو في الثانوية أنه تخيّل هذا المشهد يوماً !

كان يظن أنّه سيتفرغ لحلمه ، يدرس الاختصاص الذي يحلم به ، ثم يعمل به حين يتخرج ، ولكن الحلم لا يمتّ بصلةٍ إلى الواقع !

مشيتُ في طريقي وكانت الوجوه أمامي منهكة ، فتاة ترتدي زيّ مدرسة إعدادي تمشي مع أخرى وتقول : ” بدهم يجوزوني و رفضت مليون مرة ، أهلي عارفين اني بدي أكمل دراستي ، حرام عليهم أنا من الأوائل ..! “

أجابتها : ” ما إنتِ عارفة أهلك و أهلي خلص هاي العادات ، بس الشباب اللي بيدرسوا ..”

ابتعدتُ عنهما مسافة ونظرتُ إليهما ، كانتا طفلتين ! تحلمان ! ترى كل واحدة منهما أحلامها أمام أعينها ! واحدة قد تكون طبيبةً تُعالج أمراضاً مُستعصية ، و أخرى ربما مُحامية تنصر مظلوماً !

العادات ! أي عقلٍ يتقبّل هذه العادات !

كان الوأد بالجاهلية للأجساد ، و الآن الوأد للأحلام ..!

دخلتُ محلاً لأشتري سجائر ، كان في المحل رجل كبير السن يجلس مع البائع و يُكمل حديثاً : “…ما أنا عارف و هيني كل فترة بروح على المستشفى لحالي ولا حدا فيهم بيعرض يساعدني .. يا اخي بديش يساعدوني بس على الأقل يتصلوا فيي ..! يسألو عني ..! بس يسألوا عني .. ” وانهار بالبكاء !

أخذتُ علبة السجائر و خرجتُ من المحل نظرتُ حولي كم هذه اللحظة قاسية ! كم نحنُ أموات !

كيف يكون بأيدينا أن نمسح دمعة عجوزٍ ضعيف ، ونبخل عليه بهذا ! هم وحدهم الأموات مَن ليس بمقدورهم ذلك ..!

حتى أنّ أرواحاً بلا أجساد قد تشعر بك وتشعر بها ، أكثر من أحياء حولك ..!

كان بودّي لو أن أعود إلى العجوز و أحتضنه !

ماذا يطلب هذا الرجل ؟! لم يطلب سوى سؤال !

لا أعلم هل كان يتحدث عن أبنائه ، أم إخوته ..! أم غرباء لا قرابة بينهم ..!

ولكنه يطلب سؤالاً ..! اهتماماً ..! فقط !

شعرتُ أنّ أقدامي لم يعد بإمكانها المتابعة ، أشرتُ إلى سيارة أجرة ، ركبتُ بالمقعد الأمامي بجانب السائق ، وبدأ حديثه : ” ممكن سيجارة ؟ “

مددت له العلبة أخرج واحدةً وضعها فوق أذنه و أخرى في فمه وأشعلها !

استغربتُ من فعله هذا ابتسمت ووضعتُ العلبة في جيبي ، قال : ” أخوك أبو العبد .. ” ثم تابع : ” والله هالتاكسي مش جايب اشي .. ! إشي إيجار بيت اشي مدارس الولاد إشي أكل وشرب .. خليها على الله يا زلمة ..”

أظنّه بدأ حديثه بطلب السجائر و أخذ اثنتين تمهيداً لهذا الحديث ! أنّه لا يملك ثمن علبة سجائر كاملة !

حتى تابع : ” و الراكب بيناقشك على الأجرة .. ! يا أخي عالم ما بتتقي الله ..! “

كان حديثه كله يعني به إياك أن تناقشني بالأجرة التي سأطلبها ! بقي يتحدث عن وضعه المادي السيء و عن الرّكاب و نقاشاتهم معه حتى وصلتُ إلى مكان نزولي وقال وهو يبتسم : ” صدّعتك ..! “

أشرت برأسي نافياً ، قال : ” خلي علينا معلم ..؟ “

نظرتُ إليه أجبته ممازحاً : ” متأكد ؟ “

ضحك وقال : ” بس مش رح إنغذي الاولاد اليوم ..!”

ضحكتُ وأعطيته ما طلب و ذهبَ في طريقه .

يُصارع الشوارع في تاكسي قديم مهترئ تحت شمس حارقة أو برداً قارس ! قد يكون يختلق القصص التي يقصّها على الركاب ، قد يكون كاذباً ، ولكن الشيء المؤكَّّد الصادق فيه ؛ أنه أبّ لأبناء لدى كل منهم حلم يتمناه ..

أصحّح قولي بأن الوأد بالجاهلية كان لأجساد الإناث ، و الآن الوأد لأحلام الجميع !

كان كل من رأيته اليوم محارباً ، خرج من صراعه ناجياً من الموت ، ولكنه لم يكن سليماً !

ماذا لو استُبدِلت هذه الحروب كلها بالحب !

ماذا لو عاش ذلك الشاب حلمه بعيداً عن صراع العمل المهدّد بطرده منه !

ماذا لو أكملت الفتاة دراستها وأكملت حلمها بعيدا عن عادات ظالمة !

والعجوز ! ماذا لو وجد حبّاً دون أن يطلبه !

وأبناء السائق ، لم يكن حلمهم فقط المهدد ، بل كان غذائهم أيضاً !

فلك أن تتخيل ماذا كان سيحدث لو استُبدل هذا كلّه بالحب !

يمكن متابعة كتابات الكاتبة نور مؤيد عوّاد عبر حسابها الشخصي على موقع الفيسبوك من خلال الرابط التالي:

https://m.facebook.com/khrbshat.noor.awwad/?ref=bookmarks

يمكن قراءة المزيد من النصوص الأدبية وعدة أمور في عالم الأدب من خلال الرابط التالي:

https://jordanrec.com/archives/category/arabic-literature

زر الذهاب إلى الأعلى
Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

Ads Blocker Detected!!!

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.

Powered By
Best Wordpress Adblock Detecting Plugin | CHP Adblock

أنت تستخدم أداة مانع الإعلانات

نحن نحاول تقديم المحتوى الأفضل لك ، وحجب الإعلانات من قبلك لا يساعدنا على الإستمرار ، شكراً لتفهمك ، وعذراً على الإزعاج