سخرية القدر

سخرية القدر
سخرية القدر

سخرية القدر

الكاتبة هدى لؤي

تُنسى كأنك لم تكن شخصاً ولا نصاً وتنسى

فأشهدُ أنني حرٌّ وحيٌّ حين أُنَسى

نص بعنوان: سخرية القدر

في الخامسَ عشر من أيلول

تلقيتُ ركلةً على وجهي من قدمِ أمي، وذاك بسبب قلةِ مسؤوليتي ولامُبالاتي القاتلة.

فبدر مني ردةُ فعلٍ غير اعتيادية.

لأبدأ بالصراخ والبُكاء بشكلٍ فاجرٍ، وكأنَ هُناك شخصاً قد قام بأذِيتي بأسوءِ الطُرق.

دلفتُ إلى فراشي لأدفن رأسي في وسادتي و أبكي بحُرقةٍ من قلبي ،ليس بسببِ وجع الركلة وإنما بسبب الندم الذي اجتاحني ومعرفتي بأنني المخطئةُ كُلياً وأنه لا مجال للهربِ من فعلتي.

في السادسَ عشر من أيلول

أستقيظُ بعد حُلمٍ طويلٍ على صوتِ أُمي وهي تنادي باِسمي بكُل لُطفٍ لتقولَ لي انهضي لتناول الإفطار قبّلتني على جبهتي وانصرفت.

أنها أمي نفسَ المرأة التي ركلت وجهي البارحة ،رغم خطئي إلا أنها عادت تُحبني كما السابق ،وذلك بعد الإعتذار لها يوم أمس فقط.

فيما يُقارب الساعة السادسة صباحاً في إحدى أيامِ عُطلتي على ما أذكر استيقظتُ على ألمٍ شديدٍ في الجهةِ اليُسرى من رأسي حيث ان الألم كان قد أثر على عيني فلم استطع فتحها آنذاك.

لازلتُ أذكر ملامح القلقِ والخوفِ التي اعترت وجه أمي في حينها تتجهُ مسرعةً تركضُ نحوي وكأنها ستُنجدُني من ألمي وكأن الشفاء بيديها تظن انها بمجردِ ان تضع يداها وتتلو بعضاً من الآياتِ ستنقذُني.

لكن الألمَ كان أشدّ من أن تخمدُه يدا أمي.

اكتشفنا فيما بعد أن هذا المرض يُسمى الشقيقة وهو عبارةً عن ألم رأس نصفي، سيصيبُني دائماً ما بين حينٍ وحين.

و بالنسبة لي كان هذا المرضَ هو الركلة الثانية التي ركلتني اياهُ الحياة..

في السابع عشر من نيسان

من سنتي الثالثة في تخصصي اللغة العربية وأدابها في الفصل الثاني تحديداً من السنة.

كنتُ أريد ولأول مرةً أن أزيد عدد الساعات الخمسةَ عشر التي أدرسها في كل فصلٍ تقريباً الى إحدى وعشرون ساعة السببب الذي جعلني مضطرةً للدوام بشكلٍ يوميٍ مستمر.

انتهت الأسابيع الأولى من دون أن أشعر.

بعد ذلك كان علي أن أُُلاحقَ الأيام وأخلقَ الوقت و أبذل الجهد المضُاعف الذي لم أبذلهُ يوماً في حياتي،في ذاك الوقت من اليوم السابع عشر أشفقتُ جداً على نفسي عندما أكتشفتُ أنه يجب علي إسقاط ثلاثة مواد نتيجةً لسوء علامتي فيها وذلك تجّنباً لتدني معدلي الجامعي.

هكذا كانت ركلتي الثالثة التي ركلتني إياها الحياة مرةً أُخرى وبهزيمتي هذه، بتُ أتأنى باتخاذي لقراراتي وبدأتُ أخاف أيضاً.

في الثلاثين من كانون الأول

كان صباحٌ باردٌ غائمٌ ساكنٌ مجهولَ المعالم لا شيءَ ُيذكرُ فيه.

في المقعد الذي بجانب النافذة جلستُ هناك غير مُباليةٍ لما حولي سارحةً في اللاوعي المشتت وفي أفكاري التي
أجهل معانيها.

بعينانِ زائغتان ووجع رأسٍ طفيف ونسمةِ هواءٍ باردة

صباح الخير ،اخترق صوتها شرودي كانت صديقتي التي تعرفت عليها مؤخراً والتي تجلسُ بجانبي دائماً في الحافلة،
بعد مُضيِّ عشر دقائق على سير الحافلة تماماً استحوذني خوفٌ شديدٌ غيرُ مفهوم وحل صمتٌ غيرُ اعتيادي في الحافلة ، روادني شعورٌ خفيٌ داخلي و دفعني لأنطقَ الشهادة.

نطقتها ثم……………ظلامٌ حالك

لم أعدْ أرى شيئاً ،إلا إنني سمعت أصوات الصراخ وتناثر شظايا الزجاجِ من خلفي.

كانت ركلتي الرابعة هي الأكثر إيلاماً ووجعاً.

في الأول من كانون الثاني

مباشرةً بعد ركلتي الرابعة وفاجعة القدر.

دماءٌ و زجاجٌ من حولي ،صراخٌ من خلفي وذعراً في كل الأرجاء كل شيء يوحي للهلاك إنها النهاية، الآن لستُ حية من هذه ؟؟؟ مرام إنها صديقتي التي تجلسُ بجانبي نعم لا زالت حية الشكر لله ، أين أنا؟ أي ظلامٍ هذا لا أخرجوني أنقذوني ،من أنا ؟ أٌمي أُين أنتِ أُمي .


كانت تلك الكلمةُ الأولى التي نطقتُها عندما استيقظتُ مذعورة القلب ،تائهة الروح، مشتتتَ التفكير، في تمام الساعة الخامسة فجرا لأجهش ببكاءٍ يعلو صوتُ نحيبه ويصل لمسامع جميع المرضى الأخرين في المستشفى
أريد أمي تلك الكلمات التي قلُتها أكثر من خمسةَ عشر مرة وأنا أكررُها من دون توقف.

جائت أمي آااااه أطلقتها مع تنهيدة سلام ،

حقاً إنها أمي بعيناها المذعورتان الخائفتان

إذاً ما زلتُ حية قلتها بصوتٍ مرتجفٍ باكي ضمتني إليها وبكينا.

في تمام الساعة الثامنة صباحاً وبعد أن استقر َوضعي وعاد إلي َّوعيي وهدئ قلبي وبدأت الذكريات تلاحقني كنت قد تذكرتُ ذكرى كانت الٌأجمل ،الأصدق ،الأحن والأكثر لطفاً.

تلك الركلة التي من بعدها جائت كل ركلاتي، الركلةُ الوحيدة التي كانت من أجل مصلحتي، الركلة الأعظم في حياتي كانت فقط ركلة امي..

فلتَرْكُليني دائماً أماه.. قُلتها بيني وبين نفسي وأنا أنظرُ لوجهها بابتسامة قد أُنهكت من ركلاتِ الحياة جميعُها.، ليتَ كُلّ ما يُبكينا ركلةٌ من قدمِ أمُهاتنا..

يمكن متابعة كتابات الكاتبة هدى لؤي عبر حسابها الشخصي على موقع الفيسبوك من خلال الرابط التالي:

https://www.facebook.com/huda.zaitawy

يمكن قراءة المزيد من النصوص الأدبية وعدة أمور في عالم الأدب من خلال الرابط التالي:

https://jordanrec.com/archives/category/arabic-literature

زر الذهاب إلى الأعلى
Ads Blocker Image Powered by Code Help Pro

Ads Blocker Detected!!!

يبدو أنك تستخدم أداة لحظر الإعلانات. نحن نعتمد على الإعلانات كمصدر تمويل لموقعنا الإلكتروني.

Powered By
Best Wordpress Adblock Detecting Plugin | CHP Adblock

أنت تستخدم أداة مانع الإعلانات

نحن نحاول تقديم المحتوى الأفضل لك ، وحجب الإعلانات من قبلك لا يساعدنا على الإستمرار ، شكراً لتفهمك ، وعذراً على الإزعاج