كذبة الأوطان
نص كذبة الأوطان للكاتب الأردني الشاب أحمد جمال:
وطن؟ سمعت كذبة كهذه مرة، قالها أحدهم فرنّت تلك الكلمة في أُذني كأول مرة قلتِ ”أُحبك يا قمر الليالي”. ولكنني كفرت بالأوطان مذ غادرني وطني الكبير، فغادرتني القصيدة الكُبرى وفقدت قَلمي المِعطاء، ونصف حواسي وثلثا ذهني. فالوطن يا مَلكي الاحتواء أينما جاء وحل. فقُلت لنفسي، سأؤمن بالوطن، ولكن الكأس النبيذ – حينما ترنم بخدّك فَثمل- قال لي أن الوطن وهمٌ، والملائكة لا تُرى، والله رحيمٌ بقلوبٍ زانها الوله، وأن عروق عيناكِ خُلقت كي أجرِ فيها متمختراً، وأنك مَلك القلب لا السماء، وأن الحب في ديارنا حرامٌ حلال، وأن الشوق مفروضٌ على ما نَمتلك، والبُعد نار المحبين والوصل جنة…
فالموت الموت…
اليوم أكرهك حق الكره كما أحببتك بالأمس حق المحبة، ولا أريد الجنة التي سترتادينها، لستِ ملاكا ولا فتاة المقدس أنت، ﻻ تعني لي عيناك شيئا، ولا شعرك يشبه موج البحر، وليست عنقك جنتي، ليس فمك قبلتي، ولا وجنتيك مقصد بيت شعري، ولا كتفاك هضاب مدينتي، ليس فكرك ورد روايتي ولا كلماتك عنوان كتاباتي، فليشهد قلبي أن أي كلمة شوق أقولها عنك هي كذبة “ابريل اللعين”، وأني سأقول أُحبك كاذباً؛ فالكذب في حيّنا منجاة، وليكن شهر “اكتوبر” ليس موجودا في رزنامتي، وشهر “مارس” ليكن فيه عيدي ويوم احتساء قهوتي وخمرتي وصحوتي وغنوتي ونشيدي ومقصدي، ها أنا ذا أتخذ قرارا ملكيا ساميا قاطعا ﻻ مجال للرجعة فيه؛ تقرع الطبول فرحا في مارس بدلا من أكتوبر، وتنقل الكآبة إلى ليالي الصيف اللعين ذو الليل القصير؛ أغسطس، ليشهد قلبي اليوم أن كل دقة تسببت بها هي دقة “حقد دفين”… وأنني من اليوم وصاعدا قد أعلنت ديانتي الرسمية الجديدة… وكفرت بدينك أنت… أكرهك حق الكره.
والموت لي ولك يا حبيبتي، فبعض الموت خلود اذا أسرفت الحياة.
على هامشي الممتلئ:
أُحبك يا شمس الصباح.
يمكن قراءة المزيد من النصوص الأدبية وعدة أمور في عالم الأدب من خلال الضغط هنا
