أرصفة

نص أرصفة للكاتب الشاب أحمد جمال:
على ذلك الرصيف تحدث أشياء غريبة، تتساقط نساء على وجوههن كخيبة أمل، يبكي الأطفال هناك طمعا بعشر دقائق أخرى من التنزه، يمضي الوقت لاهثاً على عجلة من أمره وكأنه مروحة السقف تدور حول محورها ولا تبرح مكانها، المكان والزمان ثابتين كتلك الدوامة التي تطوف حول مركز ريحها، وأنا أجلس على الرصيف القريب هنا، حيث لا أطفال ولا نساء ولا إنسٌ ولا جن، على رصيفي أنا خلوة لا ضير فيها، تستطيع تأمل كل من مر من هناك، حتى تلك القصيرة المشاكسة؛ فيها شيء من الحماقة، هي تعلم ذلك..
تكلم نفسها في منتصف الرصيف، تركض بالشارع عجلةً، تمنيت أن أعرف مرة بماذا تتمتم تلك الحمقاء، وما الذي يبدو لها حينما تركل الكرتون الفارغ في الشارع، تشيح بشعرها يمنة ويسرة متباهية بسواده وطوله كالطفل الذي يحمل قطعة مثلجات في منتصف ديسمبر، من أين حصل عليها؟ لا تدري… لكنها تحبني، قالت لي، لقد رأيتك في حلمي، كنتَ تشبهك جداً، إلّا أن عنقك أطول قليلا، شفتاك تميل إلى الزهرة، لكنك تشبهك جداً، وكنت أحبك جداً، والشارع مكتظ جداً جداً، فلم أستطع الوصول اليك..
كنت أكلم الحائط محاولة وصف وجهك اللاملائكي، أتمتم عجباً لملامح بريئة بقلب طيب بعقل كعقلك يحمل قساوة أعمارنا، أدور برأسي هنا وهناك لعلي أجد فرصة إليك، أركل ما يمُر أمامي غضباً لقساوة المشهد الذي رأيته في حلمي، يبدو أن شفتيك لا تزالان تختالان زهرة كلما اقتربت، وأما إذا عبرت الشارع ووصلت إلى رصيفك تفتح الجنة أبوابها، يبسط المحب يديه، تدور الأكوان في نسق مختلف، وتتفتح الورود على شمسٍ بيضاء وتغلق شرانقها على قمر أبيض، قمرٌ مكتمل كل يوم، فإني أحبكَ حينما يُطل الهلال، وأحبك إذا اكتمل القمر، وأنت القمر، لذا كُن قمراً لفاطمة تكن شمساً لك.
تبدو فاطمة تلك مشاكسة جداً على الرصيف المغاير، وهادئة على الرصيف هُنا، وتحبني.
يمكن قراءة المزيد من النصوص الأدبية وعدة أمور في عالم الأدب من خلال الضغط هنا